تعتبر الحجامة أقدم
ممارسة طبية عرفها الإنسان، حيث انتشرت لدى الكثير من الشعوب واستخدمت
كوسيلة فعالة لعلاج العديد من الأمراض، ابتداء من القدماء المصريين قبل
الميلاد، مرورًا بدول شرق آسيا، وإن كان الآشوريون (وبما دلت عليه آثارهم
والصور المنحوتة) أكثر الشعوب العربية البائدة استخدامًا لها.
ثم جاء الإسلام ليعلي من شأنها ولتحتل مكانة مميزة وعناية
خاصة، حيث أصبحت الحجامة علمًا له قوانين وضوابط. فقد حوت السنة النبوية
الكثير من الأحاديث التي تبين ممارسة الرسول الكريم [ لها والثناء عليها
وترشيحها كأفضل وسيلة سواء للوقاية أو العلاج.فكان له الفضل [ في سنّها
وتقنينها للمسلمين، إلا إنه ما لبثت تلك السنة النبوية أن أحاطها شئ من
الدجل والشعوذة. نتيجة الاستهتار والإهمال والانبهار بالطب الغربي، مما أدى
إلى ابتعاد الناس عن التداوي بها، وانحصرت ممارستها كطب شعبي ليس عليه أي
ضوابط أو قيود، بل وفيه الكثير من التجاوزات!ومع فشل الطب الغربي وعجزه في
معالجة بعض الحالات المرضية عاد الاهتمام بالحجامة أو (cupping) والطب
البديل عمومًا وممارستها على أسس متينة تتبناها مدارس متخصصة في أنحاء
العالم وفي الغرب قبل الشرق. ولكن للأسف ومع العودة القوية لهذا العلم نجد
أن الحجامة بمفهومها النبوي غائبة عن ساحة الطب البديل، فلم تأخذ حقها من
الاهتمام والاعتراف بها كمعالجة ناجعة للعديد من الأمراض.ماهية
الحجامة:الحجامة أو(cupping) هي امتصاص قطرات الدم والأخلاط الفاسدة عن
طريق محجم، إما بتشريط الجلد واستخراج الدم من مكان التشريط، أو بالضغط على
مكان الألم دون تشريط.وقد ثبت بالأبحاث فعالية الحجامة في علاج ثمانين
حالة ما بين عرض ومرض. منها على سبيل المثال لا الحصر: الصداع وارتفاع ضغط
الدم والآلام العضلية والعصبية والروماتيزم والأمراض النسائية...
وغيرها.ويثبت ذلك حديث ابن عباس، رضي الله عنهما عن النبي [ قال: «الشفاء
في ثلاثة: شربة عسل وشرطة محجم وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي» أخرجه
البخاري. لماذا الحجامة؟تقوم الحجامة على التخلص من الدم الراكد، وهو الذي
يحمل كرات الدم الحمراء الهرمة والشوائب الدموية والأخلاط الرديئة ويتجمع
بمواضع معينة من الجسم. وهي الأماكن التي تتميز ببطء حركة سريان الدم
(المواضع التي احتجم بها الرسول) فيساعد التخلص منه على تدفق دم نقي مليء
بكريات دم حمراء جديدة فتية، إضافة إلى زيادة مادة الإنترفيرون (مادة
بروتينية تصنعها كرات الدم البيضاء) وهي مضادة للفيروسات، وتزيد من مناعة
الجسم ضد الأمراض والعدوى. وصدق القائل: «الحجامة شفاء كل داء سببه غلبة
الدم».أوقات الحجامة ومواضعهاحدد الرسول [ أوقاتًا بعينها يستحب الحجامة
فيها، ففي حديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله [: «من أراد
الحجامة فليتحر لسبع عشرة، أو تسع عشرة. أو إحدى وعشرين، لا يتبيغ بأحدكم
الدم فيقتله» رواه الترمذي.أما التفسير العملي لهذا التوقيت فإن للقمر
تأثيرًا في الأرض في جذبه للمحيطات، وتكوّن المد وتأثيره في اليابسة
والحيوانات أيضًا، منذ مولده كهلال إلى بلوغه مرحلة البدر حيث يساعد على
زيادة نشاط الحيوانات في هذه الفترة، ويؤدي أيضًا إلى ارتفاع ضغط الدم عند
اكتمال القمر. وهذا ما جعل الغرب يربط بين زيادة معدل الجريمة في هذه
الأيام من الشهر ومراحل القمر. ففي الأيام الأولى وحتى الخامس عشر من الشهر
يهيج الدم ليبلغ ذروته، محركًا كل الترسبات والشوائب الدموية لتحط رحالها
في أهدأ منطقة بالجسم وهي الكاهل حتى تاريخ 17 ـ 27 من الشهر، حيث يقل
تأثير القمر في الجسم. وبهذه الفترة ينصح بالحجامة. بعكس لو أجريت الحجامة
في تاريخ 12 ـ 15 من الشهر، فإن الدم يكون هائجًا ويحمل معه الكرات الفتية
التي يحتاج إليها الجسم. أما في الأيام الأولى لولادة القمر لا يكون الدم
قد حمل الشوائب والأخلاط الرديئة من الداخل إلى الخارج ليتجمع في أكثر
الأماكن ركودًا.وبذلك يتبين جليًا حكمة تحري أيام بعينها للحجامة، أما
موعدها الفصلي فكما قال [: «استعينوا على شدة الحرِّ بالحجامة»، حيث تتسع
الشرايين ويزيد تدفق الدم في الحر، ولذلك نجد أن العرب في السابق كانوا
يستعينون بها في فصل الصيف.وبهذا التوجيه النبوي حكمة تنطلق من قوله تعالى {
وما يَنْطِقُ عن الْهَوَى}.أما مواضع الاحتجام من الجسم فهو في الكاهل
والأخدعين (عرقين في العنق) وباطن القدم، وهي ليست مواضع توقيفية بل
بالإمكان عملها على مسارات الطاقة كما في الإبر الصينية.وكثيرًا ما يتراءى
للبعض أن التبرع بالدم مكمل للحجامة وأنه يقوم بالعمل نفسه، ولكن هناك
اختلاف جذري بينهما، فبينما الحجامة تقوم بتنقية الجسم من الشوائب والأخلاط
الدموية التي تسبب غلظة للدم وتزيد العبء على أعضاء الجسم الأخرى كالكبد
والطحال. نجد أن التبرع بالدم يخرج من دم الشرايين النقي، وما يحمله من
كرات دم حمراء فتية ومعادن وأملاح يحتاج إليها الجسم. وبذلك لا يوجد شبه
بين العمليتين إطلاقًا، وإن كان التبرع بالدم أشبه بالفصد نوعًا ما.الحجامة
والإسلاماعتنى الإسلام بالحجامة، حيث أوصى بها سيدنا محمد [ واستحبّ
التداوي بها، ورشحها في كثير من أحاديثه. فقد ورد ذكرها في أكثر من خمسة
وعشرين حديثًا صحيحًا.وكانت وصية الملائكة للرسول الكريم حين أُسري به ليلة
الإسراء والمعراج، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال [: «ما مررت ليلة
أسري بي بملأ من الملائكة إلا كلهم يقول لي عليك يا محمد بالحجامة» وفي
رواية أخرى: «... يا محمد مر أمتك بالحجامة» رواه الترمذي .وقد احتجم
الرسول [ مرات عدة طوال حياته، إما وقاية وإما علاجًا، وبذلك تكون الحجامة
سنة من سنن الرسول [ الغائبة عن أذهاننا، والتي ينبغي علينا الاقتداء بها.
ومعنى الاقتداء هنا ليس وقت المرض فقط، بل تُتخذ كما اتخذها سيدنا محمد صلى
الله عليه وسلم في أيام المرض والصحة على السواء.للأسف في الوقت الذي يعود
فيه الطب البديل إلى الساحة مثبتًا جدارته، وتتفنن الشعوب في إعادة ما
لديها من أنواع الطب البديل، نجد تجاهلاً كبيرًا من قِبل المسلمين للطب
النبوي، بل ويقابل هذا الطب باستهتار وتقليل من جدواه اعتقادًا ممن جهل أنه
طب شعبي لا يمارسه غير الأميين والدجالين.!فلا نجد من يمارسه بمصداقية أو
على أسسه التي وضعها سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا ما ندر. ولا نجد
مراكز أو دورًا تعليمية متخصصة في الطب الإسلامي تضع له ضوابطه وتقام فيها
الأبحاث والدراسات الموثقة! والغريب أنه تُنشأ لدينا مراكز للتداوي
بالحجامة الصينية، مستهينين بما نملكه من تراث إسلامي زاخر!! في حين تنتشر
في مراكز الدول الغربية أبحاث حول الحجامة، وقد أضافته دولة كندا في بعض
جامعاتها كعلم من علوم الطب البديل ينال عليه الطالب شهادة جامعية كمعالج
بالحجامة. وفي أمريكا هناك جمعية متخصصة عملت أكثر من مئتي بحث في الحجامة.
وتجدر الإشارة إلى ما قام به فريق الأبحاث السوري في كلية الطب بجامعة
دمشق من أبحاث في الحجامة الإسلامية ساعدت على إحياء سنة الرسول صلى الله
علية وسلم .
